تفسير سورة الطور من الآية 35 إلى الآية 49
3 مشترك
صفحة 1 من اصل 1
تفسير سورة الطور من الآية 35 إلى الآية 49
إثبات قدرة الخالق وعجز المخلوق
{أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ} أي هل خُلقوا من غير ربٍ ولا خالق؟
قال ابن عباس: من غير ربٍ خلقهم وقدَّرهم {أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ} أي أم هم الخالقون لأنفسهم، حتى تجرءوا فأنكروا وجود الله جلّ وعلا؟
{أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ} أي أم هم خلقوا السماوات والأرض؟ وإِنما خصَّ السماواتِ والأرض بالذكر من بين سائر المخلوقات لعظمها وشرفها،
ثم بيَّن تعالى السبب في إِنكارهم لوحدانية الله فقال {بَل لا يُوقِنُونَ} أي بل لا يصدقون ولا يؤمنون بوحدانية الله وقدرته على البعث ولذلك ينكرون الخالق
قال الخازن:
ومعنى الآية هل خُلقوا من غير شيءٍ خلقهم فوجدوا بلا خالق وذلك مما لا
يجوز أن يكون، لأن تعلق الخلق بالخالق ضروري، فإِن أنكروا الخالق لم يجز
أن يوجدوا بلا خالق، أم هم الخالقون لأنفسهم؟ وذلك في البطلان أشدُّ، لأن
ما لا وجود له كيف يخلق؟ فإِذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم
خالقاً فليؤمنوا به، وليوحدوه، وليْعبدوه، وليْوقنوا أنه ربهم وخالقهم
ومعنى الآية هل خُلقوا من غير شيءٍ خلقهم فوجدوا بلا خالق وذلك مما لا
يجوز أن يكون، لأن تعلق الخلق بالخالق ضروري، فإِن أنكروا الخالق لم يجز
أن يوجدوا بلا خالق، أم هم الخالقون لأنفسهم؟ وذلك في البطلان أشدُّ، لأن
ما لا وجود له كيف يخلق؟ فإِذا بطل الوجهان قامت الحجة عليهم بأن لهم
خالقاً فليؤمنوا به، وليوحدوه، وليْعبدوه، وليْوقنوا أنه ربهم وخالقهم
{أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ}؟ أي أعندهم خزائن رزق الله ورحمته حتى يعطوا النبوة من شاءوا ويمنعوها عمن شاءوا؟
قال ابن عباس: {خَزَائِنُ رَبِّكَ} المطر والرزقُ
وقال عكرمة: النبوة {أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ}؟ أي أم هم الغالبون القاهرون حتى يتصرفوا في الخلق كما يشاءون؟ لا بل الله عز وجل هو الخالق المالك المتصرف
وقال عطاء: {أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ} أم هم الأرباب فيفعلون ما يشاءون ولا يكونون تحت أمر ولا نهي؟
{أَمْ لَهُمْ سُلَّمٌ يَسْتَمِعُونَ فِيهِ}؟ أي أم لهم مرقى ومصعد إِلى السماء يستمعون فيه كلام الملائكة والوحي فيعلمون أنهم على حقٍّ فهم به مستمسكون؟
{فَلْيَأْتِ مُسْتَمِعُهُمْ بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ} أي فليأت من يزعم ذلك بحجة بينة واضحة على صدق استماعه كما أتى محمد بالبرهان القاطع
..
ثم وبخهم تعالى على ما هو أشنع وأقبح من تلك المزاعم الباطلة وهو نسبتهم
إِلى الله البنات، وجعلهم لله جل وعلا ما يكرهون لأنفسهم فقال {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمْ الْبَنُونَ}؟ أي كيف تجعلون لله البنات - مع كراهتكم لهن - وتجعلون لأنفسكم البنين؟ أهذا هو المنطق والإِنصاف؟
ثم وبخهم تعالى على ما هو أشنع وأقبح من تلك المزاعم الباطلة وهو نسبتهم
إِلى الله البنات، وجعلهم لله جل وعلا ما يكرهون لأنفسهم فقال {أَمْ لَهُ الْبَنَاتُ وَلَكُمْ الْبَنُونَ}؟ أي كيف تجعلون لله البنات - مع كراهتكم لهن - وتجعلون لأنفسكم البنين؟ أهذا هو المنطق والإِنصاف؟
قال القرطبي:
سفَّه أحلامهم توبيخاً لهم وتقريعاً والمعنى أتضيفون إِلى الله البنات مع
أنفتكم منهن، ومن كان عقله هكذا فلا يُستبعد منه إِنكار البعث
سفَّه أحلامهم توبيخاً لهم وتقريعاً والمعنى أتضيفون إِلى الله البنات مع
أنفتكم منهن، ومن كان عقله هكذا فلا يُستبعد منه إِنكار البعث
وقال أبو السعود:
تسفيهٌ لهم وتركيكٌ لعقولهم، وإِيذانٌ بأن من هذا رأيه لا يكاد يُعد من
العقلاء، فضلاً عن الترقي إِلى عالم الملكوت، والاطلاع على الأسرار
الغيبية، والالتفات إِلى الخطاب لتشديد الإِنكار والتوبيخ
تسفيهٌ لهم وتركيكٌ لعقولهم، وإِيذانٌ بأن من هذا رأيه لا يكاد يُعد من
العقلاء، فضلاً عن الترقي إِلى عالم الملكوت، والاطلاع على الأسرار
الغيبية، والالتفات إِلى الخطاب لتشديد الإِنكار والتوبيخ
{أَمْ تَسْأَلُهُمْ أَجْرًا} أي هل تسألهم يا محمد أجراً على تبليغ الرسالة وتعليم أحكام الدين؟
{فَهُمْ مِنْ مَغْرَمٍ مُثْقَلُونَ} أي فهم بسبب ذلك الأجر والغُرم الثقيل الذي أوجبته عليهم مجهدون ومتعبون فلذلك يزهدون في اتباعك، ولا يدخلون في الإِسلام؟
فإِن العادة أن من كلف إِنساناً مالاً وضربَ عليه جُعلاً يصير مثقلاً وغارماً بسببه فيكرهه ولا يسمع قوله ولا يمتثله
{أَمْ عِنْدَهُمْ الْغَيْبُ فَهُمْ يَكْتُبُونَ}؟
أي أعندهم علم الغيب حتى يعلموا أنَّ ما يخبرهم به الرسول صلى الله عليه
وسلم من أمور الآخرة والحشر والنشر باطلٌ فلذلك يكتبون هذه المعلومات عن
معرفةٍ ويقين؟
أي أعندهم علم الغيب حتى يعلموا أنَّ ما يخبرهم به الرسول صلى الله عليه
وسلم من أمور الآخرة والحشر والنشر باطلٌ فلذلك يكتبون هذه المعلومات عن
معرفةٍ ويقين؟
قال قتادة: هو ردٌّ لقولهم {شاعر نتربص به ريب المنون} والمعنى أعَلموا أن محمداً يموتُ قبلهم حتى يحكموا بذلك؟
وقال ابن عباس:
أم عندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون ما فيه، ويُخبرون الناس بما فيه؟ ليس
الأمر كذلك فإِنه لا يعلم أحدٌ من أهل السماوات والأرض الغيب إِلا الله
أم عندهم اللوح المحفوظ فهم يكتبون ما فيه، ويُخبرون الناس بما فيه؟ ليس
الأمر كذلك فإِنه لا يعلم أحدٌ من أهل السماوات والأرض الغيب إِلا الله
{أَمْ يُرِيدُونَ كَيْدًا} ؟ أي أيريد هؤلاء المجرمون أن يتآمروا عليك يا محمد؟
قال المفسرون: والآية إِشارة إِلى كيدهم في دار الندوة وتآمرهم على قتل الرسول صلى الله عليه وسلم
كما قال تعالى {وإِذْ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك}
{فَالَّذِينَ كَفَرُوا هُمُ الْمَكِيدُونَ} أي فالذين جحدوا رسالة محمد هم المجزيون بكيدهم لأن ضرر ذلك عائد عليهم، ووباله راجع على أنفسهم كقوله {ولا يحيق المكرُ السيء إِلا بأهله}
قال الصاوي: وأوقع الظاهر {فَالَّذِينَ كَفَرُوا} موقع المضمر تشنيعاً وتقبيحاً عليهم بتسجيل وصف الكفر
{أَمْ لَهُمْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ}؟ أي ألهم إِله خالق رازق غير الله تعالى حتى يلجأوا إِليه وقت الضيق والشدة؟ ويستنجدوا به لدفع الضُّرِّ والعذاب عنهم؟
{سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}
أي تنزَّه وتقدَّس الله عما يشركون به من الأوثان والأصنام قال الإِمام
الجلال: والاستفهام بـ "أم" في مواضعها الخمسة عشر للتوبيخ والتقريع
والإِنكار.
أي تنزَّه وتقدَّس الله عما يشركون به من الأوثان والأصنام قال الإِمام
الجلال: والاستفهام بـ "أم" في مواضعها الخمسة عشر للتوبيخ والتقريع
والإِنكار.
إخبار الله عن شدة طغيان الكفار وعنادهم
ثم أخبر تعالى عن شدة طغيانهم وفرط عنادهم فقال {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًامِنَالسَّمَاءِ سَاقِطًا} أي لو عذبناهم بسقوط قطع من السماء نزلت عليهم لم ينتهوا ولم يرجعوا، ولقالوا في هذا النازل عناداً واستهزاءً: إِنه سحاب مركوم
{يَقُولُوا سَحَابٌ مَرْكُومٌ} أي إِنه سحاب متراكم بعضُه فوق بعض قد سقط علينا
قال أبو حيان: كانت قريشٌ قد اقترحت على رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما اقترحت من قولهم {أو تُسقط السماء كما زعمت علينا كِسفاً} فأخبر تعالى أنهم لو رأوا ذلك عياناً حسب اقتراحهم لبلغ بهم عتوهم وجهلهم أن يغالطوا أنفسهم فيما عاينوه
ويقولوا: هو سحابٌ مركوم أي سحاب تراكم بعضه فوق بعض ممطرنا، وليس بكسفٍ ساقطٍ للعذاب
{فَذَرْهُمْ حَتَّى يُلاقُوا يَوْمَهُمُ الَّذِي فِيهِ يُصْعَقُونَ}
أي اتركهم يا محمد يتمادون في غيهم وضلالهم، حتى يلاقوا ذلك اليوم الرهيب
- يوم القيامة - الذي يأتيهم فيه من العذاب ما يزيل عقولهم ويسلب ألبابهم
أي اتركهم يا محمد يتمادون في غيهم وضلالهم، حتى يلاقوا ذلك اليوم الرهيب
- يوم القيامة - الذي يأتيهم فيه من العذاب ما يزيل عقولهم ويسلب ألبابهم
{يَوْمَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ كَيْدُهُمْ شَيْئًا} أي يوم لا ينفعهم كيدهم ولا مكرهم الذي استعملوه في الدنيا ولا يدفع عنهم شيئاً من العذاب
{وَلا هُمْ يُنصَرُونَ} أي ولا هم يُمنعون من عذاب الله في الآخرة
{وَإِنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا عَذَابًادُونَ ذَلِكَ} أي وإِن للذين كفروا عذاباً شديداً في الدنيا قبل عذاب الآخرة
قال ابن عباس: هو عذاب القبر وقال مجاهد: هو الجوع والقحط سبع سنين
{وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ} أي لا يعلمون أن العذاب نازل بهم
{وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ} أي اصبرْ يا محمد على قضاء ربك وحكمه، فيما حمَّلك به من أعباء الرسالة
{فَإِنَّكَ بِأَعْينِنَا} أي فإِنك بحفظنا وكلاءتنا نحرسك ونرعاك
{وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} أي ونزِّه ربك عما لا يليق به من صفات النقص حين تقوم من منامك ومن كل مجلس بأن تقول: سبحان الله وبحمده
قال ابن عباس: أي صلِّ للهِ حين تقومُ من منامك {وَمِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ} أي ومن الليل فاذكره واعبده بالتلاوة والصلاة والناسُ نيام كقوله {ومن الليل فتهجَّد به نافلةً لك}
{وَإِدْبَارَ النُّجُومِ} أي وصلِّ له في آخر الليل حين تدبر وتغيب النجوم بضوء الصبح
قال ابن عباس: هما الركعتان اللتان قبل صلاة الفجر وفي الحديث (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها).
نورة- عضو ذهبي
- الجنس : عدد المساهمات : 2150
21
تاريخ التسجيل : 24/08/2011
الموقع : مفاتيح الجنة
رفيده- عضو متالق
- الجنس : عدد المساهمات : 1215
0
تاريخ التسجيل : 12/07/2011
الموقع : مفاتيح الجنه
رد: تفسير سورة الطور من الآية 35 إلى الآية 49
رفيده كتب:
اللهم آمين ولك بالمثل أختي رفيده
نورة- عضو ذهبي
- الجنس : عدد المساهمات : 2150
21
تاريخ التسجيل : 24/08/2011
الموقع : مفاتيح الجنة
رد: تفسير سورة الطور من الآية 35 إلى الآية 49
سفيان الخزندار كتب:
مرورك الأروع أخي سفيان
اللهم آمين ولك بالمثل
اللهم آمين ولك بالمثل
نورة- عضو ذهبي
- الجنس : عدد المساهمات : 2150
21
تاريخ التسجيل : 24/08/2011
الموقع : مفاتيح الجنة
مواضيع مماثلة
» تفسير سورة الطور من الآية 1 إلى الآية 16
» تفسير سورة الطور من الآية 17 إلى الآية 28
» تفسير سورة الطور من الآية 29 إلى الآية 34
» تفسير سورة الفتح من الآية 8إلى الآية 10
» تفسير سورة الرحمن من الآية 1 إلى الآية 13
» تفسير سورة الطور من الآية 17 إلى الآية 28
» تفسير سورة الطور من الآية 29 إلى الآية 34
» تفسير سورة الفتح من الآية 8إلى الآية 10
» تفسير سورة الرحمن من الآية 1 إلى الآية 13
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء يوليو 31, 2018 1:57 am من طرف نورالايمان
» الأمل في حياة المؤمن
الثلاثاء نوفمبر 21, 2017 5:19 am من طرف نورالايمان
» منتدى انور ابو البصل الاسلامي يتشرف بانتسابكم اليه
الأربعاء أغسطس 13, 2014 9:41 pm من طرف انور ابو البصل
» اروع ما يمكن ان تشاهد وتسمع....سبحان الله
الأحد فبراير 02, 2014 1:12 pm من طرف سفيان الخزندار
» فاتبعوني الحلقة 6 - وسائل التعليم
الأربعاء سبتمبر 18, 2013 4:34 pm من طرف 3ahd
» فاتبعوني الحلقة 5 - تعامل النبي مع المرأة
الإثنين سبتمبر 16, 2013 6:36 pm من طرف 3ahd
» هل فكرنا يوما فى
السبت سبتمبر 14, 2013 3:48 pm من طرف 3ahd
» الحلقة 4 - اوقات مباركة
السبت سبتمبر 14, 2013 3:34 pm من طرف 3ahd
» كتاب الصلاة " بَابُ صفَة صَلاة النَّبي صلى الله عليه وسلم"
السبت سبتمبر 14, 2013 1:26 pm من طرف نورة