تفسير سورة الطور من الآية 17 إلى الآية 28
صفحة 1 من اصل 1
تفسير سورة الطور من الآية 17 إلى الآية 28
حال المؤمنين السعداء
ولما ذكر حال الكفرة الأشقياء ذكر حال المؤمنين السعداء على عادة القرآن الكريم في الجمع بين الترهيب والترغيب
فقال {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَعِيمٍ} أي إن الذين اتقوا ربهم في الدنيا بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، هم في الآخرة في بساتين عظيمة ونعيم مقيم خالد
{فَاكِهِينَ بِمَا آتَاهُمْ رَبُّهُمْ} أي متنعمين ومتلذذين بما أعطاهم ربهم من الخير والكرامة وأصناف الملاذ من مآكل ومشارب، وملابس ومراكب، وغير ذلك من ملاذ الجنة
{وَوَقَاهُمْ رَبُّهُمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ} أي وقد نجاهم ربهم من عذاب جهنم وصرف عنهم أهوالها
قال ابن كثير:
وتلك نعمة مستقلة بذاتها مع ما أضيف إِليها من دخول الجنة، التي فيها من
السرور ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر
وتلك نعمة مستقلة بذاتها مع ما أضيف إِليها من دخول الجنة، التي فيها من
السرور ما لا عينٌ رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر
{كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} أي يقال لهم: كلوا واشربوا أكلاً وشرباً هنيئاً، لا تنغيص فيهولا كدر، بسبب ما قدمتم من صالح الأعمال ..
ثم أخبر تعالى عن حالهم عند أكلهم وشربهم فقال {مُتَّكِئِينَ عَلَى سُرُرٍ مَصْفُوفَةٍ} أي جالسين على هيئة المضطجع على سرر من ذهب مكلَّلة بالدر والياقوت، مصطفة بعضها إِلى جانب بعض،
قال ابن كثير: {مَصْفُوفَةٍ} أي وجوه بعضهم إِلى بعض كقوله {على سررٍ متقابلين}
وفي الحديث (إن الرجل ليتكئ المتكأ مقدار أربعين سنةً ما يتحول عنه ولا يملُّه، يأتيه ما اشتهت نفسه ولذات عينه)
{وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ}
أي وجعلنا لهم قرينات صالحات، وزوجات حساناً من الحور العين، وهنَّ نساء
بيض واسعات العيون - من الحَوَر وهو شدة البياض، والعينُ جمع عيناء وهي
كبيرة العين - والبياضُ مع سعة العين نهاية الحسن والجمال
أي وجعلنا لهم قرينات صالحات، وزوجات حساناً من الحور العين، وهنَّ نساء
بيض واسعات العيون - من الحَوَر وهو شدة البياض، والعينُ جمع عيناء وهي
كبيرة العين - والبياضُ مع سعة العين نهاية الحسن والجمال
{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ} أي كانوا مؤمنين وشاركهم أولادهم في الإِيمان
{أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ} أي ألحقنا الأبناء بالآباء لتقرَّ بهم أعينهم وإِن لم يبلغوا عملهم
قال ابن عباس: إِن الله عز وجل ليرفع ذرية المؤمن معه في درجته في الجنة وإِن كان لم يبلغها بعمله لتقرَّبهم عينه وتلا الآية
قال الزمخشري:
فيجمع الله لأهل الجنة أنواع السرور بسعادتهم في أنفسهم، وبمزاوجة الحور
العين، وبمؤانسة الإِخوان المؤمنين، وباجتماع أولادهم ونسلهم بهم
فيجمع الله لأهل الجنة أنواع السرور بسعادتهم في أنفسهم، وبمزاوجة الحور
العين، وبمؤانسة الإِخوان المؤمنين، وباجتماع أولادهم ونسلهم بهم
{وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ} أي وما نقصنا الآباء من ثواب عملهم شيئاً
قال في البحر: المعنى أنه تعالى يُلحق المقصِّر بالمحسن ولا ينقص المحسن من أجره شيئاً
{كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ} أي كل إِنسان مرتهن بعمله لا يُحمل عليه ذنب غيره سواء كان أباً أو إبناً
وقال ابن عباس: ارتهن أهل جهنم بأعمالهم، وصار أهل الجنة إِلى نعيمهم
وقال الخازن: المراد بالآية الكافر أي كل كافر بما عمل من الشرك مرتهن بعمله في النار، والمؤمن لا يكون مرتهناً بعمله لقوله تعالى: {كل نفسٍ بما كسبت رهينة إِلا أصحاب اليمين} ..
ثم ذكر ما وعدهم به من الفضل والنعمة فقال {وَأَمْدَدْنَاهُمْ بِفَاكِهَةٍ وَلَحْمٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} أي وزدناهم - فوق ما لهم من النعيم - بفواكه ولحوم من أنواع شتى مما يستطاب ويُشتهى
{يَتَنَازَعُونَ فِيهَا كَأْسًا} أي يتعاطون في الجنة كأساً من الخمر، يتجاذبها بعضهم من بعض تلذذاً وتأنساً
قال الألوسي: أي يتجاذبونها تجاذب ملاعبة كما يفعل ذلك الندامى في الدنيا لشدة سرورهم {لا لَغْوٌ فِيهَا وَلا تَأْثِيمٌ} أي لا يقع بينهم بسبب شربها هذيان حتى يتكلموا بساقط الكلام، ولا يلحقهم إِثم كما يلحق شارب الخمر في الدنيا
قال قتادة:
نزّه الله خمر الآخرة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها، فنفى عنها صُداع
الرأس، ووجع البطن، وإِزالة العقل، وأخبر أنها لا تحملهم على الكلام
الفارغ الذي لا فائدة فيه، المتضمن للهذيان والفحش، ووصفها بحسن منظرها،
وطيب طعمها،
نزّه الله خمر الآخرة عن قاذورات خمر الدنيا وأذاها، فنفى عنها صُداع
الرأس، ووجع البطن، وإِزالة العقل، وأخبر أنها لا تحملهم على الكلام
الفارغ الذي لا فائدة فيه، المتضمن للهذيان والفحش، ووصفها بحسن منظرها،
وطيب طعمها،
فقال {بيضاء لذة للشاربين . لا فيها غولٌ ولا هم عنها يُنزفون}
ثم قال تعالى {وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ غِلْمَانٌ لَهُمْ} أي ويطوف عليهم للخدمة غلمان مماليك خصصهم تعالى لخدمتهم
{كَأَنَّهُمْ لُؤْلُؤٌ مَكْنُونٌ} أي كأنهم في الحسن، والبياض، والصفاء اللؤلؤ المصون في الصدف
قال القرطبي:
وهؤلاء الغلمان قيل هم أولاد المشركين وهم خدم أهل الجنة، وليس في الجنة
نصب ولا حاجة إِلى خدمة، ولكنه أخبر بأنهم على غاية النعيم
وهؤلاء الغلمان قيل هم أولاد المشركين وهم خدم أهل الجنة، وليس في الجنة
نصب ولا حاجة إِلى خدمة، ولكنه أخبر بأنهم على غاية النعيم
{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءلُونَ} أي أقبل أهل الجنة يسأل بعضهم بعضاً عن أعمالهم وأحوالهم في الدنيا، تلذذاً بالحديث، واعترافاً بالنعمة
{قَالُوا إِنَّا كُنَّا قَبْلُ فِي أَهْلِنَا مُشْفِقِينَ} أي قال المسؤولون: إِنا كنا في دار الدنيا خائفين من ربنا، مشفقين من عذابه وعقابه
{فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ}
أي فأكرمنا الله بالمغفرة والجنة، وأجارنا مما نخاف، وحمانا من عذاب جهنم
النافذة في المسام نفوذ الريح الحارة الشديدة وهي التي تسمى {السَّمُومِ}
أي فأكرمنا الله بالمغفرة والجنة، وأجارنا مما نخاف، وحمانا من عذاب جهنم
النافذة في المسام نفوذ الريح الحارة الشديدة وهي التي تسمى {السَّمُومِ}
قال الفخر الرازي:
والآية إِشارة إِلى أن أهل الجنة يعلمون ما جرى عليهم في الدنيا
ويذكرونه، وكذلك الكافر لا ينسى ما كان له من النعيم في الدنيا، فتزداد
لذة المؤمن حيث يرى نفسه انتقلت من الضيق إِلى السعة، ومن السجن إِلى
الجنة، ويزداد الكافر ألماً حيث يرى نفسه انتقلت من النعيم إِلى الجحيم
والآية إِشارة إِلى أن أهل الجنة يعلمون ما جرى عليهم في الدنيا
ويذكرونه، وكذلك الكافر لا ينسى ما كان له من النعيم في الدنيا، فتزداد
لذة المؤمن حيث يرى نفسه انتقلت من الضيق إِلى السعة، ومن السجن إِلى
الجنة، ويزداد الكافر ألماً حيث يرى نفسه انتقلت من النعيم إِلى الجحيم
{إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ} أي قال أهل الجنة: إِنا كنا في الدنيا نعبد الله ونتضرع إِليه، فاستجاب الله لنا فأعطانا سؤلنا
{إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ}
أي إِنه تعالى هو المحسن، المتفضل على عباده بالرحمة والغفران، وهو
كالتعليل لما سبق، عن مسروق أن عائشة رضي الله عنها قرأت هذه الآية {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ* إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} فقالت: اللهم مُنَّ علينا وقنا عذاب السموم إِنك أنت البر الرحيم.
أي إِنه تعالى هو المحسن، المتفضل على عباده بالرحمة والغفران، وهو
كالتعليل لما سبق، عن مسروق أن عائشة رضي الله عنها قرأت هذه الآية {فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ* إِنَّا كُنَّا مِنْ قَبْلُ نَدْعُوهُ إِنَّهُ هُوَ الْبَرُّ الرَّحِيمُ} فقالت: اللهم مُنَّ علينا وقنا عذاب السموم إِنك أنت البر الرحيم.
نورة- عضو ذهبي
- الجنس : عدد المساهمات : 2150
21
تاريخ التسجيل : 24/08/2011
الموقع : مفاتيح الجنة
مواضيع مماثلة
» تفسير سورة الطور من الآية 1 إلى الآية 16
» تفسير سورة الطور من الآية 29 إلى الآية 34
» تفسير سورة الطور من الآية 35 إلى الآية 49
» تفسير سورة الفتح من الآية 8إلى الآية 10
» تفسير سورة الرحمن من الآية 1 إلى الآية 13
» تفسير سورة الطور من الآية 29 إلى الآية 34
» تفسير سورة الطور من الآية 35 إلى الآية 49
» تفسير سورة الفتح من الآية 8إلى الآية 10
» تفسير سورة الرحمن من الآية 1 إلى الآية 13
صفحة 1 من اصل 1
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
الثلاثاء يوليو 31, 2018 1:57 am من طرف نورالايمان
» الأمل في حياة المؤمن
الثلاثاء نوفمبر 21, 2017 5:19 am من طرف نورالايمان
» منتدى انور ابو البصل الاسلامي يتشرف بانتسابكم اليه
الأربعاء أغسطس 13, 2014 9:41 pm من طرف انور ابو البصل
» اروع ما يمكن ان تشاهد وتسمع....سبحان الله
الأحد فبراير 02, 2014 1:12 pm من طرف سفيان الخزندار
» فاتبعوني الحلقة 6 - وسائل التعليم
الأربعاء سبتمبر 18, 2013 4:34 pm من طرف 3ahd
» فاتبعوني الحلقة 5 - تعامل النبي مع المرأة
الإثنين سبتمبر 16, 2013 6:36 pm من طرف 3ahd
» هل فكرنا يوما فى
السبت سبتمبر 14, 2013 3:48 pm من طرف 3ahd
» الحلقة 4 - اوقات مباركة
السبت سبتمبر 14, 2013 3:34 pm من طرف 3ahd
» كتاب الصلاة " بَابُ صفَة صَلاة النَّبي صلى الله عليه وسلم"
السبت سبتمبر 14, 2013 1:26 pm من طرف نورة