المنتدى الاسلامي العام
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل خانة التسجل في الاعلى إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.

انضم إلى المنتدى ، فالأمر سريع وسهل

المنتدى الاسلامي العام
أهلا وسهلا بك زائرنا الكريم، إذا كانت هذه زيارتك الأولى للمنتدى، فيرجى التكرم بزيارة صفحة التعليمـــات، كما يشرفنا أن تقوم بالتسجيل خانة التسجل في الاعلى إذا رغبت بالمشاركة في المنتدى، أما إذا رغبت بقراءة المواضيع والإطلاع فتفضل بزيارة القسم الذي ترغب أدناه.
المنتدى الاسلامي العام
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

تتمة تفسير سورة الحديد

2 مشترك

اذهب الى الأسفل

شرح تتمة تفسير سورة الحديد

مُساهمة من طرف نورة الخميس يونيو 28, 2012 7:16 pm


الدعوة إلى الرجوع لله عز وجل، وجزاء المتصدقين والمؤمنين



{أَلَمْ
يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ
وَمَا نَزَلَمِنَالْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ
مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ
مِنْهُمْ فَاسِقُونَ(16)اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ
مَوْتِهَا قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ
تَعْقِلُونَ(17)إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا
اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ
كَرِيمٌ(18)وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ أُوْلَئِكَ هُمْ
الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ
وَنُورُهُمْ وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ
أَصْحَابُ الْجَحِيمِ(19)}.





سبب النزول:



نزول الآية (16):



{أَلَمْ يَأْنِ ..}: أخرج ابن أبي شيبة في مصنفه عن عبد العزيز بن أي رواد: أن أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ظهر فيهم المزاح والضحك، فنزلت : {أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا} الآية.





{أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ} أي أما حان للمؤمنين أن ترقَّ قلوبهم وتلين لمواعظ الله؟



{وَمَا نَزَلَمِنَالْحَقِّ} أي وما نزل من آيات القرآن المبين؟



{وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ} أي ولا يكونوا كاليهود والنصارى الذين أعطاهم الله التوراة والإِنجيل



{فَطَالَ عَلَيْهِمْ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} أي فطال عليهم الزمن الذي بينهم وبين أنبيائهم، حتى صلبت قلوبهم فهي كالحجارة أو أشد قسوة

قال ابن عباس: {فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ} مالوا إِلى الدنيا وأعرضوا عن مواعظ القرآن

وقال أبو حيان:
أي صلبت بحيث لا تنفعل للخير والطاعة والغرض أن الله يحذّر المؤمنين أن
يكونوا مع القرآن كاليهود والنصارى حيث قست لما طال عليهم الزمان



{وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} أي وكثير من أهل الكتاب خارجون عن طاعة الله، رافضون لتعاليم دينهم، من فرط قسوة القلب

قال ابن كثير:
نهى الله تعالى المؤمنين أن يتشبهوا بالذين حملوا الكتاب من قبلهم من
اليهود والنصارى، لما تطاول عليهم الزمن بدَّلوا كتاب الله الذي بأيديهم،
ونبذوه وراء ظهورهم، واتخذوا أحبارهم ورهبانهم أرباباً من دون الله، فعند
ذلك قست قلوبهم فلا يقبلون موعظة، ولا تلين قلوبهم بوعد ولا وعيد



{اعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يُحْيِ الأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا}
أي اعلموا يا معشر المؤمنين أن الله يحيي الأرض القاحلة المجدبة بالمطر،
ويخرج منها النبات بعد يبسها، وهو تمثيل لإِحياء القلوب القاسية بالذكر
وتلاوة القرآن، كما تحيا الأرض المجدبة بالغيث .

قال ابن عباس: يلين القلوب بعد قسوتها فيجعلها مخبتةً منيبة، وكذلك يحيي القلوب الميتة بالعلم والحكمة

قال أبو حيّان:
ويظهر أنه تمثيلٌ لتليين القلوب بعد قسوتها، ولتأثير ذكر الله فيها، فكما
يؤثر الغيث في الأرض فتعود بعد إِجدابها مخصبة، كذلك تعود القلوب النافرة
مقبلةً يظهر فيها أثر الخشوع والطاعات



{قَدْ بَيَّنَّا لَكُمْ الآيَاتِ} أي وضحنا لكم الحجج والبراهين الدالة على كمال قدرتنا ووحدانيتنا

{لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ} أي لكي تعقلوا وتتدبروا ما أنزل الله في القرآن

{إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَالْمُصَّدِّقَاتِ وَأَقْرَضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا} أي الذين تصدقوا بأموالهم على الفقراء ابتغاء وجه الله، والذين أنفقوا في سبيل الله وفي وجوه البر والإِحسان طيبة بها نفوسهم



{يُضَاعَفُ لَهُمْ وَلَهُمْ أَجْرٌ كَرِيمٌ} أي يضاعف لهم ثوابهم بأن تكتب الحسنة بعشر أمثالها، ولهم فوق ذلك ثواب حسن جزيل وهو الجنة

قال المفسرون: أصل {الْمُصَّدِّقِينَ}
المتصدقين أدغمت التاء في الصاد فصارت المصدّقين، ومعنى القرض الحسن هو
التصدق عن طيب النفس، وخلوص النية للفقير، فكأن الإِنسان بإِحسانه إِلى
الفقير قد أقرض اللهَ قرضاً يستحق عليه الوفاء في دار الجزاء



{وَالَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} أي صدَّقوا بوحدانية الله ووجوده، وآمنوا برسله إِيماناً راسخاً كاملاً، لا يخالجه شك ولا ارتياب

{أُوْلَئِكَ هُمْ الصِّدِّيقُونَ وَالشُّهَدَاءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ} أي أولئك الموصوفون بالإِيمان بالله ورسله، هم الذين جمعوا أعلى المراتب فحازوا درجة الصديقية والشهادة في سبيل الله قال مجاهد: كل من آمن بالله ورسله فهو صدِّيقٌ وشهيد



{لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَنُورُهُمْ} أي لهم في الآخرة الثواب الجزيل، والنور الذي يسعى بين أيديهم وبأيمانهم



{وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} أي والذين جحدوا بوحدانية الله وكذبوا بآياته أولئك هم المخلدون في دار الجحيم

قال البيضاوي: فيه دليل على أن الخلود في النار مخصوص بالكفار، من حيث إن الصيغة تشعر بالاختصاص {أُوْلَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ} والصحبة تدل على الملازمة ..





تحقير حال الدنيا، والحث على عمل الآخرة



{اعْلَمُوا
أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ وَزِينَةٌ وَتَفَاخُرٌ
بَيْنَكُمْ وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ
أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ
يَكُونُ حُطَامًا وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ
وَمَغْفِرَةٌمِنَاللَّهِ وَرِضْوَانٌ وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا
مَتَاعُ الْغُرُورِ(20) سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ
وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ
آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ
يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(21)}





ولما ذكر أحوال المؤمنين والكافرين ذكر بعده ما يدل على حقارة الدنيا وكمال حال الآخرة فقال {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ} أي اعلموا يا معشر السامعين أن هذه الحياة الدنيا ما هي إِلا لعبٌ يُتعب الناس فيها أنفسهم كإِتعاب الصبيان أنفسهم باللعب

{وَلَهْوٌ} أي وشغل للإِنسان يشغله عن الآخرة وطاعة الله

{وَزِينَةٌ} أي وزينة يتزين بها الجهلاء كالملابس الحسنة، والمراكب البهية، والمنازل الرفيعة

{وَتَفَاخُرٌ بَيْنكُمْ} أي ومباهاة وافتخار بالأحساب والأنساب والمال والولد كما قال القائل:



أرى أهل القُصور إِذا أُميتوا بنوا فوق المقابر بالصــخور



أبوا إلا مباهـاةً وفــخراً على الفقراء حتى في القبــور



{وَتَكَاثُرٌ فِي الأَمْوَالِ وَالأَوْلادِ} أي مباهاة بكثرة الأموال والأولاد

قال ابن عباس: يجمع المال من سخط الله، ويتباهى به على أولياء الله، ويصرفه في مساخط الله، فهو ظلماتٌ بعضها فوق بعض

{كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفَّارَ نَبَاتُهُ} أي كمثل مطرٍ غزير أصاب أرضاً، فأعجب الزُرَّاع نباتُه الناشئ عنه



{ثُمَّ يَهِيجُ فَتَرَاهُ مُصْفَرًّا} أي ثم ييبس بعد خضرته ونُضرته فتراه مصفر اللون بعد أن كان زاهياً ناضراً

{ثُمَّ يَكُونُ حُطَامًا} أي ثم يتحطم ويتكسر بعد يبسه وجفافه فيصبح هشيماً تذروه الرياح كذلك حال الدنيا

قال القرطبي:
والمراد بالكفار هنا الزُرَّاع لأنه يغطون البذر، ومعنى الآية أن الحياة
الدنيا كالزرع يعجب الناظرين إِليه لخضرته بكثرة الأمطار، ثم لا يلبث أن
يصير هشماً كأن لم يكن، وإِذا أعجب الزراع فهو في غاية الحسن

{وَفِي الآخِرَةِ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَغْفِرَةٌمِنَاللَّهِ وَرِضْوَانٌ} أي والجزاء في الآخرة إِما عذاب شديد للفجار، وإِما مغفرة من الله ورضوانٌ للأبرار

{وَمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلا مَتَاعُ الْغُرُورِ} أي وليست الحياة الدنيا في حقارتها وسرعة انقضائها إِلا متاعٌ زائل، ينخدع بها الغافل، ويغتر بها الجاهل

قال سعيد بن جبير: الدنيا متاع الغُرور إِن ألهتك عن طلب الآخرة، فأما إِذا دعتك إِلى طلب رضوان الله وطلب الآخرة، فنعم المتاع ونعم الوسيلة ..


ولما حقَّر الدنيا وصغَّر أمرها، وعظَّم الآخرة وفخَّم شأنها، حثَّ على
المسارعة إِلى نيل مرضاة الله، التي هي سبب للسعادة الأبدية في دار الخلود
والجزاء فقال {سَابِقُوا إِلَى مَغفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ} أي تسابقوا أيها الناس وسارعوا بالأعمال الصالحة التي توجب المغفرة لكم من ربكم

قال أبو حيان: وجاء التعبير بلفظ {سَابِقُوا} كأنهم في ميدان سباق يجرون إِلى غاية مسابقين إِليها، والمعنى سابقوا إِلى سبب مغفرة وهو الإِيمان، وعملُ الطاعات



{وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} أي وسارعوا إِلى جنةٍ واسعة فسيحة، عرضها كعرض السماوات السبع مع الأرض مجتمعة

قال السدي:
إِن الله تعالى شبَّه عرض الجنة بعرض السماوات السبع والأرضين السبع، ولا
شك أن طولها أزيد من عرضها، فذكر العرض تنبيهاً على أن طولها أضعاف ذلك

وقال البيضاوي: إِذا كان العرض كذلك فما ظنك بالطول،



{أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ} أي هيأها الله وأعدها للمؤمنين المصدّقين بالله ورسله

قال المفسرون: وفي الآية دلالة على أن الجنة مخلوقة وموجودة لأن ما لم يُخلق بعد لا يوصف بأنه أُعدَّ وهُيءَ

{ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} أي ذلك الموعود به من المغفرة والجنة هو عطاء الله الواسع، يتفضل به على من يشاء من عباده من غير إِيجاب {وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} أي ذو العطاء الواسع والإِحسان الجليل.



تعلق المصائب بالقضاء والقدر، وحال البخلاء





{مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الأَرْضِ} أي ما يحدث في الأرض من المصائب كقحطٍ، وزلزلةٍ، وعاهة في الزروع، ونقصٍ في الثمار

{وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ} أي من الأمراض، والفقر، وذهاب الأولاد



{إِلا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا} أي إلاَّ وهي مكتوبة في اللوح المحفوظ من قبل أن نخلقها ونوجدها

قال ابن جزي:
المعنى أن الأمور كلها مقدَّرة في الأزل، مكتوبة في اللوح المحفوظ من قبل
أن تكون، وفي الحديث (إن الله كتب مقادير الأشياء قبل أن يخلق السماوات
والأرض بخمسين ألف سنة، وعرشه على الماء)

{إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ} أي إن إثبات ذلك على كثرته سهلٌ هيّنٌ على الله عز وجل وإِن كان عسيراً على العباد ..



ثم بيَّن تعالى لنا الحكمة في إِعلامنا عن كون هذه الأشياء واقعة بالقضاء والقدر فقال {لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلَى مَا فَاتَكُمْ} أي أثبت وكتب ذلك كي لا تحزنوا على ما فاتكم من نعيم الدنيا

{وَلا تَفْرَحُوا بِمَا آتَاكُمْ} أي ولكي لا تبطروا بما أعطاكم الله من زهرة الدنيا ونعيمها

قال المفسرون: والمراد بالحزن الحزنُ الذي يوجب القنوط، وبالفرح الفرحُ الذي يورث الأشر والبطر،

ولهذا قال ابن عباس:
"ليس من أحدٍ إِلا وهو يحزن ويفرح، ولكنَّ المؤمن يجعل مصيبته صبراً،
وغنيمته شكراً" ومعنى الآية: لا تحزنوا حزناً يخرجكم إِلى أن تهلكوا
أنفسكم، ولا تفرحوا فرحاً شديداً يطغيكم حتى تأشروا فيه وتبطروا،




ولهذا قال بعض العارفين "من عرف سرَّ الله في القدر هانت عليه المصائب"
وقال عمر رضي الله عنه: "ما أصابتني مصيبة إِلا وجدت فيها ثلاث نعم:
الأولى: أنها لم تكن في ديني، الثانية: أنها لم تكن أعظم مما كانت،
الثالثة: أن الله يعطي عليها الثواب العظيم والأجر الكبير



{وبشر
الصابرين * الذين إِذا أصابتهم مصيبة قالوا إنّا للهِ وإِنَّا إِليه
راجعون * أولئك عليهم صلواتٌ من ربهم ورحمةٌ وأولئك هم المهتدون
}

{وَاللَّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ} أي لا يحب كل متكبر معجبٍ بما أعطاه الله من حظوظ الدنيا، فخور به على الناس ..

ثم بيَّن تعالى أوصاف هؤلاء المذمومين فقال {الَّذِينَ يَبْخَلُونَ وَيَأْمُرُونَ النَّاسَ بِالْبُخْلِ} أي يبخلون بالإِنفاق في سبيل الله، ولا يكفيهم ذلك حتى يأمروا الناس بالبخل ويرغبوهم في الإِمساك



{وَمَنْ يَتَوَلَّ} أي ومن يعرض عن الإِنفاق



{فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ}
أي فإِن الله مستغنٍ عنه وعن إِنفاقه، محمودٌ في ذاته وصفاته، لا يضره
الإِعراض عن شكره، ولا تنفعه طاعة الطائعين، وفيه وعيدٌ وتهديد.



بعث الله الرسل لإقامة شرعه حكماً بين الناس







{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ} اللام موطئة لقسم محذوف أي والله لقد بعثنا رسلنا بالحجج القواطع والمعجزات البينات

{وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمْ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ}
أي وأنزلنا معهم الكتب السماوية التي فيها سعادة البشرية، وأنزلنا
القانون الذي يُحكم به بين الناس، وفسَّر بعضهم الميزان بأنه العدلُ،

وقال ابن زيد: هو ما يُوزن به ويُتعامل {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} أي ليقوم الناس بالحق والعدل في معاملاتهم

{وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ} أي وخلقنا وأوجدنا الحديد فيه بأس شديد، لأن آلات الحرب تُتخذ منه، كالدروع، والرماح، والتروس، والدبابات وغير ذلك

{وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ} أي وفيه منافع كثيرة للناس كسكك الحراثة، والسكين، والفأس وغير ذلك وما من صناعة إِلا والحديدُ آلة فيها،

قال أبو حيان: وعبَّر تعالى عن إِيجاده بالإِنزال كما قال {وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج} لأن الأوامر وجميع القضايا والأحكام لما كانت تُلقى من السماء جعل الكل نزولاً منها، وأراد بالحديد جنسه من المعادن قاله الجمهور

{وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ}
عطفٌ على محذوف مقدر أي وأنزلنا الحديد ليقاتل به المؤمنون أعداءهم
ويجاهدوا لإِعلاء كلمة الله، وليعلم الله من ينصر دينه ورسله باستعمال
السيوف والرماح وسائر الأسلحة مؤمناً بالغيب،

قال ابن عباس: ينصرونه ولا يبصرونه،

ثم قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} أي قادر على الانتقام من أعدائه بنفسه، عزيزٌ أي غالب لا يُغالب فهو غني بقدرته وعزته عن كل أحد،




قال البيضاوي: أي قويٌ على إِهلاك من أراد إِهلاكه، عزيزٌ لا يفتقر إِلى
نصرة أحد، وإِنما أمرهم بالجهاد لينتفعوا به ويستوجبوا الثواب،


وقال ابن كثير: معنى الآية أنه جعل الحديد رادعاً لمن أبى الحقَّ وعانده
بعد قيام الحجة عليه، ولهذا أقام رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة ثلاث
عشرة سنة تُوحى إِليه السور، ويقارعهم بالحجة والبرهان، فلما قامت الحجة
على من خالف أمر الله، شرع الله الهجرة وأمر المؤمنين بالقتال بالسيوف
وضرب الرقاب، ولهذا قال عليه السلام (بُعثت بالسيف بين يدي الساعة، وجُعل
رزقي تحت ظل رُمحي، وجعل الذل والصَّغار على من خالف أمري، ومن تشبه بقومٍ
فهو منهم)



ثم قال تعالى {إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} أي هو قوي عزيز ينصر من شاء من غير احتياج منه إِلى الناس، وإِنما شرع الجهاد ليبلو بعضهم ببعض.







وحدة الشرائع في أصولها





{وَلَقَدْ
أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا
النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ
فَاسِقُونَ(26)ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا
وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ
وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً
وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلا
ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا
فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ
فَاسِقُونَ(27)يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا
بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَجْعَلْ لَكُمْ
نُورًا تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ(28)
لِّئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ
فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ
وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ(29)}





سبب النزول:



نزول الآية (28):



{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ}: أخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل قال: لما نزلت: {أُوْلَئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِمَا صَبَرُوا}
الآية [القصص: 54] فَخَر مؤمنو أهل الكتاب على أصحاب النبي صلى الله عليه
وسلم، فقالوا: لنا أجران، ولكم أجر، فاشتد ذلك على الصحابة،

فأنزل الله: {ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} الآية، فجعل لهم أجرين مثل أجور مؤمني أهل الكتاب، وزادهم النور.





نزول الآية (29):



{لِّئَلا يَعْلَمَ..}: أخرج ابن جرير عن قتادة قال: بلغنا أنه لما نزلت: {يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ } حسد أهل الكتاب المسلمين عليها، فأنزل الله: {لِّئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ} الآية.





{وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ}
لما ذكر بعثة الرسل ذكر هنا شيخ الأنبياء نوحاً عليه السلام، وأبا
الأنبياء إِبراهيم عليه السلام وبيَّن أنه جعل في نسلهما النبوة والكتب
السماوية أي وباللهِ لقد أرسلنا نوحاً وإِبراهيم وجعلنا النبوة في نسلهما،
كما أنزلنا الكتب الأربعة وهي "التوراة والزبور والإِنجيل والقرآن" على
ذريتهما، وإِنما خصَّ نوحاً وإِبراهيم بالذكر تشريفاً لهما وتخليداً
لمآثرهما الحميدة



{فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} أي فمن ذرية نوح وإِبراهيم أناس مهتدون، وكثيرٌ منهم عصاةٌ خارجون عن الطاعة وعن الطريق المستقيم



{ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِمْ بِرُسُلِنَا} أي ثم أتبعنا بعدهم برسلنا الكرام، أرسلناهم رسولاً بعد رسول، موسى، وإِلياس، وداود، وسليمان، ويونس وغيرهم



{وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ} أي وجعلناه بعد أولئك الرسل لأنه كان آخر الأنبياء من بني إِسرائيل



{وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ} أي وأنزلنا عليه الإِنجيل الذي فيه البشارة بمحمد صلى الله عليه وسلم



{وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً} أي وجعلنا في قلوب أتباعه الحواريين الشفقة واللين،



قال ابن جزي: هذا ثناء من الله عليهم بمحبة بعضهم في بعض كما وصف تعالى أصحاب سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بأنهم {رحماء بينهم}



{وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ} أي ورهبانيةً ابتدعها القسسُ والرهبان وأحدثوها من تلقاء أنفسهم، ما فرضناها عليهم ولا أمرناهم بها،

قال أبو حيان: والرهبانيةُ رفضُ النساء وشهوات الدنيا، واتخاذ الصوامع ومعنى



{ابْتَدَعُوهَا}أي أحدثوها من عند أنفسهم



{إِلا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ}
أي ما أمرناهم إِلا بما يرضي الله، والاستثناء منقطع ولا معنى ما كتبنا
عليهم الرهبانية، ولكنهم فعلوها من تلقاء أنفسهم ابتغاء رضوان الله



{فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتهَا} أي فما قاموا بها حقَّ القيام، ولا حافظوا عليها كما ينبغي،

قال ابن كثير:
وهذا ذمٌ لهم من وجهين: أحدهما: الابتداع في دين الله ما لم يأمر به
اللهُ والثاني: في عدم قيامهم بما التزموه مما زعموا أنه قربة تقربهم إِلى
الله عز وجل، وفي الحديث (لكل أمة رهبانية، ورهبانية أمتي الجهاد في سبيل
الله)



{فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ} أي فأعطينا الصالحين من أتباع عيسى الذين ثبتوا على العهد وآمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم ثوابهم مضاعفاً



{وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} أي وكثير من النصارى خارجون عن حدود الطاعة منتهكون لمحارم الله كقوله تعالى {إن كثيراً من الأحبار والرهبان ليأكلون أموال الناس بالباطل ويصدون عن سبيل الله}



{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ} أي يا من صدقتم بالله اتقوا الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، ودوموا واثبتوا على الإِيمان



{يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ} أي يعطكم ضعفين من رحمته



{وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ} أي ويجعل لكم في الآخرة نوراً تمشون به على الصراط



{وَيَغْفِرْ لَكُمْ} أي ويغفر لكم ما أسلفتم من المعاصي



{وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ} أي عظيم المغفرة واسع الرحمة



{لِّئَلا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ} أي إِنما بالغنا في هذا البيان ليعلم أهل الكتاب أنهم لا يقدرون على تخصيص فضل الله بهم، ولا يمكنهم حصر الرسالة والنبوة فيهم،



فلا في قوله {لِّئَلا} زائدة والمعنى ليعلم،



قال المفسرون:
إن أهل الكتاب كانوا يقولون الوحي والرسالة فينا، والكتابُ والشرع ليس
إِلا لنا، والله خصنا بهذه الفضيلة العظيمة من بين جميع العالمين،



فردّ الله عليهم بهذه الآية الكريمة {وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} أي وأن أمر النبوة والهداية والإِيمان بيد الرحمن يعطيه لمن يشاء من خلقه

{وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ} أي والله واسع الفضل والإِحسان.
نورة
نورة
عضو ذهبي

الجنس : انثى عدد المساهمات : 2150
21
تاريخ التسجيل : 24/08/2011
الموقع : مفاتيح الجنة

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

شرح رد: تتمة تفسير سورة الحديد

مُساهمة من طرف رفيده الثلاثاء يوليو 10, 2012 11:27 am

تتمة تفسير سورة  الحديد 1341914558134
رفيده
رفيده
عضو متالق

الجنس : انثى عدد المساهمات : 1215
0
تاريخ التسجيل : 12/07/2011
الموقع : مفاتيح الجنه

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

شرح رد: تتمة تفسير سورة الحديد

مُساهمة من طرف نورة الثلاثاء يوليو 10, 2012 6:12 pm

رفيده كتب:
تتمة تفسير سورة  الحديد 1341914558134


اللهم آمين ولك بالمثل غاليتي رفيده


تتمة تفسير سورة  الحديد PRIP.82083159.285.1
نورة
نورة
عضو ذهبي

الجنس : انثى عدد المساهمات : 2150
21
تاريخ التسجيل : 24/08/2011
الموقع : مفاتيح الجنة

الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل

الرجوع الى أعلى الصفحة

- مواضيع مماثلة

 
صلاحيات هذا المنتدى:
لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى